غائبة حاضرة

الخميس, 11.07.19, 20:00

الجمعة, 24.01.20

:

سفيتلانا رينجولد

مُتاح

لمعلومات إضافية:

04-6030800

شارك

خلال العقدين الأخيرين تصدرت الفنانات الفلسطينيات صدارة المشهد الفني في إسرائيل. يجوز تصنيف تلك الفنانات في سياق المشروع النسوي الساعي إلى تقويض الفروق الجندرية بصفتها بديهيات اجتماعية. فمن جانب واحد نجد أن الإطار الروائي الوطني هو الحلبة الفنية التي تستمد تلك الفنانات منها تمثيلهن. ومن جهة ثانية فإن سيرتهن الذاتية تصنفهن في منظومة متعددة الثقافات، في داخلها وبصفتهن مواطنات تحت الاحتلال، وأقلية في وطنهن، ولاجئات مُهجرات، فإنهن يربطن أنفسهن بمنظومة الهوية الفلسطينية بطريقة مركبة ومتعددة الأوجه.

تعتقد الباحثة تال بن تسفي أن هناك نقطتان مركزيتان تميزان المجتمع الفلسطيني قد ساهمتا في بلورة الساحة الفنية الفلسطينية بصفتها ساحة ثقافية قومية. النقطة الأولى هي مركزية "ذاكرة النكبة" في الوعي القومي؛ النقطة الثانية هي "اختلاف من داخل الوحدة"- المبنى المُوزَع للمجتمع الفلسطيني بفضل تعدد المجتمعات والطوائف: مسيحيين ومسلمين، مدنيين وقرويين، دروز، بدو وغيرهم. حقيقة أن المجتمع الفلسطيني يُعرّف هويته من داخل مجتمعات مختلفة، متباعدة ومنفصلة تؤكد وحدة هذا المجتمع إنما تشكل نقطة مركزية في تكوين الساحة الفنية الفلسطينية التي تستمد مبناها من هذا المبدأ.

وفي سعيها لخلق رواية مشتركة فإن المنظومة القومية الكانونية تخلق وتُنتج رموزاً وطنية كثيرة تضفي معاني ملموسة وواضحة على تبلور الوطنية. نجد مجموعة الرموز تلك منسوخة في الكثير من اعمال كبار الفنانين الفلسطينيين. حيث تشمل هذه المجموعة زهر أحمر، حمامة، برتقالة، شخصية امرأة تلبس ثياباً فلسطينية، خارطة فلسطين التاريخية، المسجد الأقصى، القرية فلسطينية المهدمة كتصويرة ترمز إلى ذاكرة النكبة، وكذلك القرية كرمز مثالي ومتناغم مغروس في الطبيعة وغيرها من الرموز.

في مجموعة الرموز هذه هناك مكان مميز لتعريف هوية المرأة بصفتها الوطن. ويعتقد بن تسفي بأن الفن الفلسطيني قد حول قالب التمثيل الذي يربط بين المرأة -الوطن-القرية إلى قالبه المفضل الذي يشكل أساسا لمعظم مناسبات ظهور جسد المرأة في الفن الفلسطيني في النصف الثاني من القرن العشرين. كذلك الباحثات فيرا تماري وبيني جونسون تؤكدان مركزية هذا التعريف الذي أنتج استخدامات كثيرة لتصويرات جسد المرأة في أعمال كبار الفنانين الفلسطينيين منذ سنوات الخمسينات حتى اليوم.

إزاء هذا التقليد فإن الفنانات الفلسطينيات المعاصرات يطرحن زيادة وجهات النظر الناقدة المتأثرة مباشرة من الخطاب النسوي ما بعد الاستعماري والمتعدد الثقافات، والذي يطالب بالتعامل مع موقع النساء المختلف على السلم الاجتماعي. هذه النظرة النسوية ما بعد الاستعمارية تنظر إلى الفنانات في الشرق الأوسط والعالم العربي، في جنوب أمريكا، في دول شرق آسيا وأفريقيا –إلى تلك المبدعات، أن أعمالهن يقدموا نقداً متصاعداً على الحركات الوطنية. مع ذلك وعلى ما تعتقد الباحثة كوماري جيواردنا، فإن النسوية في العالم العربي قد تطورت مع التطور الوطني كجزء من شعور التعاظم الثقافي لتلك النساء. لهذا فإن هذه النسوية مرتبطة بماهيتها بالفكر الوطني.

على حد قول بن تسفي فإن فن الفنانات الفلسطينيات حقاً يتبنى الأدوار الجندرية الوطنية، لكنه يموضعها في متنوع من تصويرات نساء واقعية في الواقع الملموس. فجسم المرأة غير قابل للتعريف التخطيطي كما يظهر في الفن الفلسطيني الكانوني. حيث نعثر في أعمالهن على تعدد الشخصيات النسائية: بدل الأم العالمية التي مثلت بشكل تقليدي العلاقة بين المرأة-الوطن-القرية، تظهر في أعمالهن شخصيات امهات مختلفات. الخطاب حول المكان يتحول إلى خطاب حول المواقع والتوضيعات والإمكانيات.

في المجتمع الفلسطيني الأبوي تجد الفنانات الفلسطينيات أنفسهن احياناً في موقف "الآخر"، حيث يُنظر إليهن كوسيطات ومندوبات لوسط ثقافي يُعتبر غربياً وغريباً. تعبر أعمالهن عن حالة وجودية للـ"أخروية" الدائمة في سياق منظومات ذات مفهوم مستقطب ومتصلب. هذه ليست "أخروية" لحالات غربة أو هجرة، إنما وجود متزامن – انتقال يومي بين مقاطعات، مجتمعات وحضارات مختلفة. إذن فإن أعمال الفنانات الفلسطينيات تتحول إلى فضاء فعل وأرضية لتطوير موقف ناقد يطعن في مفهوم المجتمع والثقافة القومية بصفتها تناغمية وموحدة.

لشراء التذاكر ومزيد من المعلومات يرجى ترك التفاصيل الخاصة بك