طبع للجماهير

الخميس, 27.02.20, 20:00

الاثنين, 19.10.20

:

,

سفيتلانا رينجولد

مُتاح

لمعلومات إضافية:

04-6030800

شارك

 

تحول الطبع اليوم إلى وسط متعدد المجالات ويميل إلى خلط الطبع التقليدي مع مواد وطرائق إنتاج جديدة كالتكنولوجيات الديجيتالية. وهذا ما سارعت مهنة الطبع إلى استحواذه، وأما التقنيات التقليدية فقد تم تغييرها أو تدعيمها بواسطة استخدام آلة التصوير، الفاكس والطابعة النافثة للحبر المتصلة بالكومبيوتر. وهكذا لم تحّل التكنولوجيات الديجيتالية بدل أساليب أخرى، إنما قامت بتوسيع الخيارات المتاحة وإمكانيات العمل.

عملياً فإن الوسائط الحالية لإنتاج المطبوعة لا تُرخص الأعمال وتنتقص من هالتها كما قالت المُنظّرة باتريشيا فيليبس. في السنوات الأخيرة باتت هذه الوسائل الإنتاجية تتيح للمطبوعة أن تكون جزءً من معارض كثيرة تُعرض فيها الفنون المعاصرة التي تشمل التحفة البديعة الواحدة من نوعها والكثيرات المستنسخة، والنفيسة الأغلى من الذهب إلى جنب غرض عديم القيمة. حين يستخدم الفنانون طرق جديدة وعصرية فهذا لا يستبعد الإمكانية أن بمقدور أعمال معينة أن تظل ذات قيمة فريدة وذات أثر تاريخي في ساحة الفن.

نلاحظ في هذا المعرض كيف يتحدى الفنانون الحدود بين الفن العالي والفن المتدني ويموّهون تلك الحدود وحدود ما بين مجال التصميم وبين عالم المنتجات الاستهلاكية. يتجه الفنانون اليوم إلى المواد الرخيصة واليومية لأجل استخدام إمكانية مجال المطبوعة كوسيلة لنشر فنونهم في الوسط العام. هناك سوابق بارزة في تاريخ الفن – مثل الأكياس الورقية التي انتجها أندي ورهول مع علبة الشوربة والتي أصبحت أيقونته، أو شعار باربرا كروغر "أنا أشتري إذن أنا موجود". فالفنانون يعملون اليوم في الإنتاج بالكميات وباستراتيجيات تسويقية تجارية غايتها تنمية ممارساتهم وهوياتهم من خلال وسط الطبع مع كل ما تتيحه من مجالات للعمل.

يشمل المعرض أعمالاً ثنائية الأبعاد وثلاثية الأبعاد وكذلك إنشائيات تم إنتاجها بأسلوب الطبع، بل وتدخل في بعض منها أعمال تمت بوسائط من أنواع مختلفة. وهكذا تنشأ في فضاء المعرض حوار بين مختلف أجسام الإبداع. تتطرق الأعمال إلى مسائل جوهرية بشأن الحركة الفنية وحضور المطبوعة في حلبة الفن المعاصر. من الواضح أن العديد من خصائص المطبوعة الأساسية ظلت جوهرية وهامة كذلك لصناعة الفن في عصرنا- مثل الاستنساخ والتوزيع والتشارك. تبرز في الأعمال مراكمة التأثيرات الحضارية ومراكمة أنواع المعلومات. فإلى جانب كوْنها أغراضا فنية، فمن اللافت أن هذه الأعمال لا تنفي التمييز بين الفن والبضاعة وهي مُتاحة وواقعية. قد يُنظر إلى وسط المطبوعة العصري وكأنه تعبير عن لغة جديدة بشأن جودة القيمة الجمالية ويتم استخدام هذا الوسط نموذجاً لحالات جديدة من الإبداع الفني.

 

 

 

يتناول هذا المعرض وصف الأطلال في أعمال الفنان الإيطالي جوفاني باتيستا بيرانيزي (1720-1778) بصفته خطوة استبقت ومهدت لظهور أشكال التعبير الفنية السوداوية المتماهية مع جماليات ما بعد الحداثية المُعاصرة.

بيرانيزي أصله من مدينة البندقية، عاش في روما وكان يحلم بإحياء ماضي المدينة العظيم. قد كان على ما يبدو أشهر فنان نال المجد فقط بفضل عمله الجرافيكي – وذلك بخلاف سائر عظماء فناني النقش أمثال ديرر، رمبرانت وجويا. كان لمطبوعاته تأثيراً حتمياً على أجيال من الفنانين، بداية من بليك وحتى أشير، وعلى مصممي الديكور والمهندسين المعماريين.

في المعرض أعمال من سلسلة نقوشه الضخمة، "مناظر روما"، التي عمل على إبداعها طيلة حياته. تأثير الزمن المُدمر والمأساوي على الإبداع البشري كما يتبدى في مجموعة الأعمال هذه يحوّل عالم "مناظر روما" الكلاسيكي إلى عالم مهيب بعظمته أكثر مما كان عليه في الواقع.

السوداوية الثقافية المنعكسة في نقوش الخِرب التي أبدعها بيرانيزي تعيد أصداء روح فنون الطبع الحالية المنعكسة في معرض "طبع للجماهير" في الطابق الأول من المتحف. وفي ظل خمود الملموس والحقيقي فإننا نستسلم اليوم لبدائلهم التناقضية. فالحزن السوداوي الذي نُبحر فيه – في الإنترنت، على الشارع السريع، بين الدعايات الضخمة المزروعة على جانبيه – ينم عن ذات الواقع الذي يكون فيه العالم قد انفصل عن لغة عالمية واحدة وعن صورة واقع واحدة. نحن نعايش حالات من انعدام اليقين؛ نحن نصطدم بالمنطق متعدد المبادئ الذي يميز روح العصر الحالي والمشبعة بحنين دائم إلى أصل غير معروف أو كمال قد اختفى.

التأمل الناقد في الأعمال المعاصرة المعروضة في المعرض يكشف عن تواجد حضارة الاستهلاك والإعلام كثقافة سوداوية تُنتج بأسلوب الاستعراض بدائل خيالية عن ضياع البيت الملموس والمحسوس. في هذا السياق يقول باحث الفنون جدعون عوفرات: "في فجر سنوات الألفين، وبعد أن أنهكتنا الخرائب المجازية والاستعارية، فقد آن أوان الخربة الحقيقية. حيث تفصل ما بين الخربة والشعور بالخراب، خرائب أكثر من أي وقت مضى، خرائب من الحجارة تشد أنظارنا وعقولنا ولا تتيح لنا فسحة للراحة".

إن نموذج رسم الخربة الأوروبية بأسلوب بيرانيزي وغيره من الرومانسيين قد تدحرج إلى لوحات خرائب لفنانين محليين منذ سنوات العشرينات-أمثال شموئيل حروبي، آنا طيخو، ليوفيلد كراكوور، يعكوف شتاينهارت وشالوم سابا. إلى جانب أعمال بيرانيزي هناك في المعرض مطبوعات خرائب هيرمن شطروك الذي كان على ما يبدو أول الفنانين المحليين الذين تناولوا هذا الموضوع. وفي هذا السياق يقول عوفرات إن "رسوم الخرائب الأولى في تاريخ الفن الإسرائيلي كانت مطبوعات حجرية رسمها وطبعها هيرمن شطروك في عام 1903" خلال رحلته إلى أرض إسرائيل، وهي الرحلة التي سارت به أيضاً إلى باقي دول حوض المتوسط.

من جملة البلدان زار شطروك كذلك البندقية، روما، فلورانس، نابولي وبومبي – هناك، ولكونه من عشاق الفن المعماري، تعرف على البنايات التي صممها عظماء فترة النهضة (الرنسانس) والخرائب التي تعود إلى عهد الإمبراطورية الرومانية. رسومات المباني التذكارية ترتبط لديه كذلك بتاريخ شعب إسرائيل ولقائه المأساوي مع الإمبراطورية الرومانية قبل ما يقارب ألفي عام. وصف شطروك كذلك الخرائب في لوتوميرسك عام 1915 حين كان ضابطاً في الجيش الألماني ومسؤولاً عن السكان اليهود في نطاق المستعمرة اللتوانية-البولندية.

يقترح عوفرات أن نرى في أوصاف الخرائب الرومانية ودمار الحرب العالمية الأولى الأرضية المريرة التي تأسس عليها تفاؤل ومثالية شطروك الصهيونية. ومن خلال هجرته إلى البلاد حقق شطروك رؤية الخلاص للنبي حزقيل، كما رؤيا إحياء الخرائب. بحسب هذه الرؤيا فإن الخلاص الموعود سيعيد المنفيين العبريين إلى بيوتهم المدمرة ويسير بهم إلى ترميم تلك الخرائب.

 

بيرانيزي (جوفاني باتيستا) ولد في موليانو فينيتو، إيطاليا، 1778-1720

هيرمن شطروك ولد في برلين، ألمانيا، 1944-1876

لشراء التذاكر ومزيد من المعلومات يرجى ترك التفاصيل الخاصة بك